المادة    
ثم يتكلم: '' لماذا أفغانستان أو فلسطين أو غيرها؟ '' ونحن نحتاج هنا أن نتكلم قليلاً عن فلسطين، وعن أفغانستان بالذات.
فنقول: نحن متفقون على أن الجهاد فرض على الأمة الإسلامية، وأن تواطؤ المسلمين على ترك الجهاد يأثم به المسلمون جميعاً، ويجب أن يكون فيهم المجاهدون، ولا سيما من أجل الأصل الأول الذي يحارب المسلمون عليه الآن في كل مكان، وهو توحيد الله وعبادة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذه قضية حكمية لا نختلف فيها، لكن نرجع إلى القضايا في الواقع، ونرجع إلى معرفة الأحكام الشرعية المنصوص عليها؛ لنرى انطباق هذه على تلك.
  1. البدء بالمرتدين والمنافقين وأهل البدع المحاربين

    نقول: المسلمون إذا أرادوا أن يجاهدوا في سبيل الله، وكان لهم أعداء، وكان الأعداء نوعين:
    النوع الأول: مرتدون كبني حنيفة الذين كانوا مع مسيلمة ومن معه.
    النوع الآخر: كفار صرحاء مثل الروم أو الفرس، فبأي العدوين يبدأ المسلمون؟
    لا ينبغي أن يوجد خلاف في أن أهم وأوجب القتال هو قتال المرتدين قبل قتال العدو الخارجي، فلو وجد عندنا قوم تجمعوا على بدعة من البدع، وكانت لهم شوكة ومنعة، وفارقوا بها جماعة المسلمين فأيهما أولى: قتالهم أو قتال الروم والفرس؟
    قتالهم أولى، والدليل أن الصحابة -رضي الله عنهم- قاتلوا الخوارج وأجمعوا على قتالهم؛ لأنهم تجمعوا على بدعة فارقوا بها جماعة المسلمين، أرأيتم لو أننا فتحنا أرض فارس كلها، وتركنا الخوارج فدخلوا وأفسدوا دين الإسلام الذي في فارس والذي في جزيرة العرب، ماذا نستفيد لو كان المسلمون على دين الخوارج؟
    لم نستفد شيئاً، بل ضاعت بيضة الدين وحوزته، فكون الروم أو الفرس يقاتلون هذا مكسب؛ فلا نضيع بيضة الدين، ونضيع رأس المال من أجل المكسب.
    فأول ما يجب أن يبدأ به في القتال هو قتال أهل البدع المارقين الذين يجتمعون ولهم منعة وشوكة، يخرجون بها على صفوف المسلمين، وأعظم من ذلك قتال المرتدين ردة صريحة كاملة كبني حنيفة وأمثالهم، ولو طبقنا هذا على واقع الأمة الإسلامية نجد أن الباطنيين والملاحدة -جميعاً في أي بلد وجدوا- هم أولى بالقتال من العدو الخارجي الذي هو شرقي أو غربي، فهم أولى الناس به.
  2. البدء بأشرف البقاع

    إننا إذا وصلنا إلى القول بأن أهم الفروض في هذه المرحلة -وهو التوحيد- قد تحقق، ثم ننتقل إلى واجب أو فرض آخر علينا، وهو أننا نطهر بلاد المسلمين من الأعداء الذين احتلوها، فما هي أول بقعة يجب أن تطهر؟ نقول:
    أولاً: الجزيرة العربية؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نص على ذلك وأوصانا به عند الموت، وطبق ذلك الخلفاء الراشدون، فقال: {لا يجتمع في جزيرة العرب دينان} ثم القدس؛ لأنها أفضل، ثم الشام عموماً؛ لأنها أرض الإسلام، وأرض فتحها الصحابة.
    فالبلدان تتفاوت في أهميتها كتفاوت الأعداء وكتفاوت الفروض، ولها أحكام ولها ترتيب، فننتقل من الأهم إلى المهم؛ إلا إذا عرفنا أنه لا يجب علينا هذا الشيء، فيجب أن ننتقل إلى ما بعده، ونستعمل أنواع الجهاد: جهاد الدعوة، جهاد العلم، جهاد السيف.
    ولا بد أن نسير على الترتيب الشرعي، كالبدء بالمرتدين، ثم من حيث الأراضي كالبدء بـجزيرة العرب، ثم أرض فلسطين، ثم ما بعدها.
    فإذا كانت جزيرة العرب كلها على التوحيد والإيمان، وما فيها حزب ولا جماعة ولا دولة قائمة على الشيوعية أو على الشرك، فعندها ننتقل إلى فلسطين.
    فقول الشيخ هنا: "نبدأ بـأفغانستان" كلام مناقض للأدلة الشرعية، وهذا هو الذي ينبغي لنا أن نعرفه، فلا يمكن أن تبنى الأحكام الشرعية، وأن يستنفر الناس على مجرد رأي، ولا مانع من أن يبدي المرء رأيه.
    لكن ليس له أن يلزم به الأمة، ولا يغلو فيه، حتى يتأكد أن من يخالفه لا حجة له، أو أنه ضعيف الحجة، ويجب علينا أن نكون في ديننا على نور من ربنا وعلى بصيرة وعلى برهان، والمسألة مسألة أنفس تباع، وليست قضية درهم أو دينار قابلة للحل ببساطة!